وبه نستعين ، الحمد لله رب العالمين .
قال العلامة حجة الإسلام أبو جعفر الوراق الطحاوي بمصر رحمه الله :
هذا ذكر بيان عقيدة أهل السنة والجماعة ، على مذهب فقهاء الملة : أبي حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي ، وأبي يوسف يعقوب بن إبراهيم الأنصاري ، وأبي عبدالله محمد بن الحسن الشيباني رضوان الله عليهم أجمعين ؛ وما يعتقدون من أصول الدين ، ويدينون به رب العالمين.
*1* الإيمان بالله تعالى :
نقول في توحيد الله معتقدين بتوفيق الله : إن الله واحد لا شريك له ، ولا شيء مثله ،
ولا شيء يعجزه ، ولا إله غيره .
قديم بلا ابتداء ، دائم بلا انتهاء ، لا يفنى ولا يبيد ، ولا يكون إلا ما يريد .
لا تبلغه الأوهام ، ولا تدركه الأفهام ، ولا يشبه الأنام ، حي لا يموت ، قيوم لا ينام .
خالق بلا حاجة ، رازق بلا مؤنة ، مميت بلا مخافة ، باعث بلا مشقة .
ما زال بصفاته قديما قبل خلقه ، لم يزدد بكونهم شيئا لم يكن قبلهم من صفاته ، وكما كان بصفاته أزليا كذلك لا يزال عليها أبديا .
ليس بعد خلق الخلق استفاد اسم الخالق ، ولا بإحداث البرية استفاد اسم الباري .
له معنى الربوبية ولا مربوب ، ومعنى الخالقية ولا مخلوق .
وكما أنه محيي الموتى بعدما أحياهم استحق هذا الاسم قبل إحيائهم ، كذلك استحق اسم الخالق قبل إنشائهم .
ذلك بأنه على كل شيء قدير ، وكل شيء إليه فقير ، وكل أمر عليه يسير ، لا يحتاج إلى شيء ، ( ليس كمثله شيء ، وهو السميع البصير ) .
خلق الخلق بعلمه ، وقدر لهم أقدارا ، وضرب لهم آجالا .
لم يخفَ عليه شيء قبل أن يخلقهم ، وعلم ما هم عاملون قبل أن يخلقهم ، وأمرهم بطاعته ، ونهاهم عن معصيته .
وكل شيء يجري بتقديره ومشيئته ، ومشيئته تنفذ لا مشيئة للعباد إلا ما شاء لهم ، فما شاء لهم كان ، وما لم يشأ لم يكن .
يهدي من يشاء ، ويعصم ويعافي فضلا ، ويضل من يشاء ، ويخذل ويبتلي عدلا ، وكلهم يتقلبون في مشيئته بين فضله وعدله .
وهو متعال عن الأضداد والأنداد ، لا رادَّ لقضائه ، ولا معقب لحكمه ، ولا غالب لأمره .
آمنا بذلك كله ، وأيقنا أن كلا من عنده .
*1* الإيمان بنبوة النبي محمد :
وأن محمدا عبده المصطفى ، ونبيه المجتبى ، ورسوله المرتضى ، وأنه خاتم الأنبياء ، وإمام الأتقياء ، وسيد المرسلين ، وحبيب رب العالمين ، وكل دعوى النبوة بعده فغَيٌّ وهوى ، وهو المبعوث إلى عامة الجن ، وكافة الورى ، بالحق والهدى ، وبالنور والضياء .
*1* الإيمان بالقرآن الكريم :
وإن القرآن كلام الله ، منه بدا بلا كيفية قولا ، وأنزله على رسوله وحيا ، وصدقه المؤمنون على ذلك حقا ، وأيقنوا أنه كلام الله تعالى بالحقيقة ، ليس بمخلوق ككلام البرية ، فمن سمعه فزعم أنه كلام البشر فقد كفر ، وقد ذمه الله وعابه ، وأوعده بسقر ، حيث قال تعالى : ( سأصليه سقر ) ، فلما أوعد الله بسقر لمن قال : ( إن هذا إلا قول البشر ) علمنا وأيقنا أنه قول خالق البشر ، ولا يشبه قول البشر .
*1* كفر من قال بالتشبيه :
ومن وصف الله بمعنى من معاني البشر فقد كفر ، فمن أبصر هذا اعتبر ، وعن مثل قول الكفار انزجر ، وعلم أنه بصفاته ليس كالبشر .
*1* رؤية الله حق :
والرؤية حق لأهل الجنة بغير إحاطة ولا كيفية ، كما نطق به كتاب ربنا : ( وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة ) ، وتفسيره على ما أراده الله تعالى وعَلِمَه ، وكل ما جاء في ذلك من الحديث الصحيح عن الرسول فهو كما قال ، ومعناه على ما أراد لا ندخل في ذلك متأولين بآرائنا ، ولا متوهمين بأهوائنا ، فإنه ما سلم في دينه إلا من سلَّم لله عز وجل ولرسوله ، ورَدَّ عِلْم ما اشتبه عليه إلى عالمه .
ولا يثبت قدم الإسلام إلا على ظهر التسليم والاستسلام ، فمن رام عِلْمَ ما حُظِر عنه علمه ، ولم يقنع بالتسليم فهمه ، حجبه مرامه عن خالص التوحيد ، وصافي المعرفة ، وصحيح الإيمان ، فيتذبذب بين الكفر والإيمان ، والتصديق والتكذيب ، والإقرار والإنكار ، موسوسا تائها ، زائغا شاكا ، لا مؤمنا مصدقا ، ولا جاحدا مكذبا .
ولا يصح الإيمان بالرؤية لأهل دار السلام لمن اعتبرها منهم بوهم ، أو تأولها بفهم ، إذا كان تأويل الرؤية وتأويل كل معنى يضاف إلى الربوبية بترك التأويل ولزوم التسليم ، وعليه دين المسلمين .
ومن لم يتوَقَّ النفي والتشبيه زل ولم يصب التنزيه ، فإن ربنا جل وعلا موصوف بصفات الوحدانية ، منعوت بنعوت الفردانية ، ليس في معناه أحد من البرية .
وتعالى عن الحدود والغايات ، والأركان والأعضاء والأدوات ، لا تحويه الجهات الست كسائر المبتدعات .
*1* الإيمان بالإسراء والمعراج :
والمعراج حق ، وقد أسرى بالنبي ، وعرج بشخصه في اليقظة إلى السماء ، ثم إلى حيث شاء الله من العلا ، وأكرمه الله بما شاء ، وأوحى إليه ما أوحى ، ( ما كذب الفؤاد ما رأى ) فصلى الله عليه وسلم في الآخرة والأولى .
*1*الإيمان بالحوض والشفاعة والميثاق :
والحوض الذي أكرمه الله تعالى به غياثا لأمته حق .
والشفاعة التي ادخرها لهم حق ، كما روي في الأخبار .
والميثاق الذي أخذه الله تعالى من آدم وذريته حق .
*1* الإيمان بعلم الله :
وقد علم الله تعالى فيما لم يزل عدد من يدخل الجنة ، وعدد من يدخل النار جملة واحدة ، فلا يزاد في ذلك العدد ولا ينقص منه ، وكذلك أفعالهم فيما علم منهم أن يفعلوه ، وكلٌّ ميسر لما خلق له .
*1* الأعمال بالخواتيم :
والأعمال بالخواتيم ، والسعيد من سعد بقضاء الله ، والشقي من شقي بقضاء الله .
*1* الإيمان بالقضاء والقدر :
وأصل القدر سر الله تعالى في خلقه ، لم يطلع على ذلك ملك مقرب ولا نبي مرسل ، والتعمق والنظر في ذلك ذريعة الخذلان ، وسلم الحرمان ، ودرجة الطغيان ، فالحذر كل الحذر من ذلك نظرا وفكرا ووسوسة ، فإن الله تعالى طوى علم القدر عن أنامه ، ونهاهم عن مرامه ، كما قال الله تعالى في كتابه : ( لا يسأل عما يفعل وهم يسألون ) فمن سأل : لِمَ فعل ؟ فقد رد حكم الكتاب ، ومن رد حكم الكتاب كان من الكافرين .
فهذا جملة ما يحتاج إليه من هو منور قلبه من أولياء الله تعالى ، وهي درجة الراسخين في العلم ؛ لأن العلم علمان : علم في الخلق موجود ، وعلم في الخلق مفقود ، فإنكار العلم الموجود كفر ، وادعاء العلم المفقود كفر ، ولا يثبت الإيمان إلا بقبول العلم الموجود وترك طلب العلم المفقود .
ونؤمن باللوح والقلم ، وبجميع ما فيه قد رقم ، فلو اجتمع الخلق كلهم على شيء كتبه الله تعالى فيه أنه كائن ليجعلوه غير كائن لم يقدروا عليه ، ولو اجتمعوا كلهم على شيء لم يكتبه الله تعالى فيه ليجعلوه كائنا لم يقدروا عليه ، جف القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة ، وما أخطأ العبد لم يكن ليصيبه ، وما أصابه لم يكن ليخطئه .
وعلى العبد أن يعلم أن الله قد سبق علمه في كل كائن من خلقه ، فقدر ذلك تقديرا محكما مبرما ، ليس فيه ناقض ولا معقب ، ولا مزيل ولا مغير ، ولا ناقص ولا زائد من خلقه في سماواته وأرضه ، وذلك من عقد الإيمان وأصول المعرفة ، والاعتراف بتوحيد الله تعالى وربوبيته ، كما قال تعالى في كتابه : ( وخلق كل شيء فقدره تقديرا ) ، وقال تعالى : (وكان أمر الله قدرا مقدورا ) فويل لمن صار لله تعالى في القدر خصيما ، وأحضر للنظر فيه قلبا سقيما ، لقد التمس بوهمه في محض الغيب سرا كتيما ، وعاد بما قال فيه أفاكا أثيما.
*1* الإيمان بالعرش والكرسي :
والعرش والكرسي حق ، وهو مستغن عن العرش وما دونه ، ، محيط بكل شيء وفوقه ،
وقد أعجز عن الإحاطة خلقه .
*1* الإيمان بالملائكة والنبيين والكتب السماوية :
ونقول إن الله اتخذ إبراهيم خليلا ، وكلم الله موسى تكليما ، إيمانا وتصديقا وتسليما .
ونؤمن بالملائكة والنبيين والكتب المنزلة على المرسلين ، ونشهد أنهم كانوا على الحق المبين .
ونسمي أهل قبلتنا مسلمين مؤمنين ، ما داموا بما جاء به النبي معترفين ، وله بكل ما قاله وأخبر مصدقين .
*1* حرمة الخوض في ذات الله ، والجدال في دين الله وقرآنه :
ولا نخوض في الله ، ولا نماري في دين الله ، ولا نجادل في القرآن ، ونشهد أنه كلام رب العالمين ، نزل به الروح الأمين ، فعلمه سيد المرسلين ، محمدا ، وهو كلام الله تعالى لا يساويه شيء من كلام المخلوقين ، ولا نقول بخلقه ، ولا نخالف جماعة المسلمين .
*1* الرد على المرجئة :
ولا نقول : لا يضر مع الإيمان ذنب لمن عمله ، نرجو للمحسنين من المؤمنين أن يعفو عنهم ، ويدخلهم الجنة برحمته ، ولا نأمن عليهم ، ولا نشهد لهم بالجنة ، ونستغفر لمسيئهم ، ونخاف عليهم ولا نقنِّطهم .
والأمن والإياس ينقلان عن ملة الإسلام ، وسبيل الحق بينهما لأهل القبلة .
ولا يخرج العبد من الإيمان إلا بجحود ما أدخله فيه .